أجمعنا على نبذ التفرقة

  • قمر الزمان الخالدي –

نعيش اليوم موجة من العنصرية موجهة نحو افارقة جنوب الصحراء ، مبنية على أسس « قومية » انطلقت بدعوات بعض الأفراد وايقافات أمنية متفرقة

كما وجدت وعاءً حزبيا يتبنى هذا الطرح وهو الحزب القومي التونسي والذي أصدر العديد من المواقف « المناهضة للاستيطان الأجصي » – و الأجصي هي اختصار لعبارة أفارقة جنوب الصحراء

حيث أطلقوا « صيحة فزع من مخطط إزالة الأمة التونسية عبر الاستيطان الأجصي » بتاريخ نوفمبر 2022 وقد تلت هذا البيان حملات ومراسلات إلى الهياكل الرسمية  للمطالبة بترحيل افارقة جنوب الصحراء من تونس

و ما أجج نار فتنة العنصرية هو تبني رئاسة الجمهورية لمثل هذا الخطاب بنشر بلاغ على إثر انعقاد مجلس الأمن القومي بتاريخ 21 فيفري 2023،  وقد جاء في ديباجته لوصف ظاهرة هجرة أفارقة جنوب الصحراء على أنها  » وضع غير طبيعي، مشيرا إلى أن هناك ترتيب إجرامي تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس وأن هناك جهات تلقت أموالا طائلة بعد سنة 2011 من أجل توطين المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس، مشيرا إلى أن هذه الموجات المتعاقبة من الهجرة غير النظامية الهدف غير المعلن منها هو اعتبار تونس دولة إفريقية فقط ولا انتماء لها للأمتين العربية والإسلامية »

 وما يؤخذ من هذا الخطاب هو أن الهجرة غير الشرعية هي مؤامرة تحاك من سنوات ضد تونس بهدف اعتبارها « دولة إفريقية فقط » والحال أن تونس دولة إفريقية بل أنها مفتاح قارة إفريقيا و يطلق عليها منذ القدم تسمية « إفريقية »

كما جاء البلاغ ملغوما بنظرية المؤامرة والتآمر على تغيير التركيبة الديمغرافية للشعب التونسي وهي ما يعبر عنها ب »نظرية الاستبدال العظيم » التي تتبناها المجموعات المناهضة للهجرة. وهي نظرية يمينية متطرفة تروج إلى أن وجود المهاجرين هو بدعوى استبدال السكان الأصليين و توطين المهاجرين، ومن أشد المدافعين عن هذه النظرية السياسي الفرنسي إيريك زيمور (زعيم حزب الاسترداد يمين متطرف). والذي أشاد في تعليق له على تويتر بموقف الرئيس التونسي قائلا « بدأت البلدان المغاربية نفسها في دق ناقوس الخطر في مواجهة تصاعد الهجرة. تونس تريد اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية شعبها. ما الذي ننتظره لمحاربة الاستبدال العظيم » وهذا ما أثار حفيظة العديد من النشطاء ، حتى أنه تم وصف بيان رئيس الجمهورية على أنه بيان عنصري و فاشي

كما أن وصف ظاهرة الهجرة بأنها « وضع غير طبيعي » وصف مبالغ فيه إذا علمنا أن العدد الجملي للأجانب في تونس 58.990 شخص منهم 21.466 من إفريقيا جنوب الصحراء حسب تقريرالمسحالوطنيل لهجرةالدولية وهو عكس ما يروج له عبر صفحات الفايسبوك على أنه قد بلغ عدد أفارقة جنوب الصحراء في تونس أكثر من 700 ألف شخص وهذا ما أكده موقع مسبار لمكافحة نشر المعلومات الزائفة في التقرير الصادر بتاريخ 24/02/2023 بعنوان ادّعاءات مضللة حولا لمهاجرين غير النظاميين منأفريقيا جنوب الصحراء

وقد تضمن البيان دعوة رئيس الجمهورية إلى جميع أجهزة الدولة إلى التطبيق الصارم للقانون المتعلق بوضعية الأجانب في تونس وهو القانون عدد 7 لسنة 1968 . حيث جاء الرد على هذه الدعوة سريعا  بإلقاء القبض على العشرات من المهاجرين غير الشرعيين

كذلك باعتداءات ليلية من طرف بعض المجموعات على المنازل والممتلكات الخاصة بـ أفارقة جنوب الصحراء وذلك بغاية طردهم وبث الرعب في صفوفهم

كما تواترت الدعوات المطالبة بترحيل المهاجرين غير الشرعيين  من طرف بعض الأفراد على وسائل التواصل الإجتماعي، دون علم ولا دراية بالمعايير الدولية التي تقوم عليهاآلية الترحيل

 تستوجب آلية الترحيل وجود إتفاقيات ترحيل بين بلد الإقامة و بلد المنشأ ، التثبت من هويات الأشخاص المراد ترحيلهم ويكون ذلك عن طريق سفارات بلد المنشأ ، أما المرحلة الموالية تتمثل في تأمين التنقل عبر طائرات تستأجرها الدولة مع تغطية تكاليف الرحلة و تذاكر المرافقين لذا اعتبر فيليبّي غونزالس موراليس، المقرّر الخاص المعنيّ بحقوق المهاجرين في تقريره أن « الترحيل ليس بخيار مرغوب فيه أو مستدام لإدارة الهجرة: فتطبيقه أعلى كلفة وأكثر صعوبة من إدماجا لمهاجرين اجتماعيًّا

في المقابل كان الرد المدني والحقوقي الرافض لهذا الخطاب وتبعاته حاضرا  بقوة،  ليشكل جدار صد أمام كل الحركات العنصرية والسياسات الاستبدادية للدولة

 فقد تم يوم الخميس 23 فيفري 2023 الإعلان عن تشكيل جبهة تضم أكثر من 20 منظمة وجمعية وعددا من النشطاء المدنيين والسياسيين والحقوقيين إلى جانب عدد من الشخصيات الوطنية ، و ذلك بغاية مجابهة تداعيات هذا التوجه الفاشي كما اعتبرته جبهة مناهضة الفاشية

كما اعتبرت أن الحملة الموجهة من أجهزة الدولة ضد المهاجرين غير الشرعيين من أفارقة جنوب الصحراء هي جزء من توجه مابعد 25 جويلية « و تندرج هذه الهجمة الممنهجة ضمن سياق سياسي استبدادي سلكه قيس سعيّد تدريجيّا منذ 25 جويلية 2021، بلغ أوجَه في الآونة الأخيرة عبر استهداف كلّ الأصوات المعارضة له، سياسةً ونقابةً وإعلامًا، في ظلّ الفشل الذريع لسياساته الاقتصاديّة والاجتماعيّة، التي لم تكتفِ بالمواصلة في خيارات الحكومات السابقة على عكس الشعارات التي يرفعها، بل كانت أشدّ وطأة وخضوعًا للمؤسسات الماليّة العالميّة، وهو ما ينسجم مع رضوخه التامّ لسياسات الهجرة الأوروبيّة التي تستهدف المهاجرين/ات من مختلف دول الجنوب، بما فيها تونس، في تناقض صارخ مع خطابه السيادَوي الكاذب؛ »

وطالبت الجبهة في بيانها التأسيسي بالسحب الفوري لبلاغ رئاسة الجمهورية ، الذي اعتبره مناضلي جبهة مناهضة الفاشية بأنه بلاغ « فضيحة » كما دعوا في نفس السياق إلى إيقاف كافة التتبعات التي طالت وتطال المهاجرين والمهاجرات وتسوية الوضعيات القانونية لطالبي الإقامة

كما تضمن البيان التأسيسي دعوة للتصدّي لهذه السياسة الفاشيّة من خلال حماية حقوق المهاجرين والمهاجرات، خصوصا الحق في الصحّة والسكن والتعليم والنفاذ للعدالة

وقد نظمت جبهة مناهضة الفاشية أول تحرك ميداني لها يوم السبت 25 فيفري 2023 تحت عنوان « سحقاللفاشية … تونس أرض إفريقية« ،  للتأكيد على مساندتها و دعمها لكافة المهاجرين والمهاجرات غير النظامين والتشديد على رفض كل السياسيات العنصرية  والخطابات التي من شأنها تهديد سلامة المهاجرين سوى داخل تونس أو خارجها

وفي سياق متصل بالرد المدني والحقوقي ، قامت منظمة أنا يقظ بإيداع شكاية جزائية ضد الممثل القانوني للحزب القومي التونسي على اعتبار أنه يروج لخطابات الكراهية والميّز العنصري التي تمسّ من كرامة الذّات البشريّة

كما صدر بلاغ عن المنظمة التونسية للأطباء الشبان يتضمن دعوة للأطباء قصد التطوع من أجل تقديم الإحاطة الطبية  للمهاجرين.ات الأفارقة جنوب الصحراء  بالتشارك مع جملة من منظمات المجتمع المدني و الحقوقي

ونظرا لأن موجة العنف اللفظي والمادي التي يتعرض لها أفارقة جنوب الصحراء حالت دون قدرتهم على القيام بشؤونهم اليومية بصفة عادية لما في ذلك من تهديد لسلامتهم  فقد بادرت جمعية كلام -وهي من ضمن مكونات جبهة مناهضة الفاشية- و بالتنسيق مع مجموعة من الشابات و الشبان من غرب أفريقيا بجمع مساعدات عينية وتوزيعها على مستحقيها من العائلات والأفراد

وقد أصدرت جبهة مناهضة الفاشية بيانا ثان بتاريخ 28 فيفري 2023 بعد الوقوف على وضعية المهاجرين والمهاجرات من أفارقة جنوب الصحراء خاصة بعد حملة الاعتقالات العشوائية التي رصدتها الجبهة وحملات العنف التي طالتهم،  وأعلنت « حالة الطّوارئ الإنسانيّة ». مثلما جددت دعوتها إلى رئاسة الجمهورية إلى سحب البلاغ والاعتذار العلني

كما أعلنت جبهة مناهضة الفاشية عن مساندتها للموقوفين على خلفية نشاطهم السياسي و حملت السلطات الرسمية مسؤولية خلق مناخ معادي للعمل الحقوقي وعبرت عنه بـ « المساندة المطلقة والمبدئيّة واللّامشروطة للرفاق وسام الصغيّر وبثينة الخليفي وأسامة غلام، الموقوفين.ات لنشاطهم.ن السياسي المقاوم للاستبداد والمندّد بالاعتقالات السياسيّة للأصوات المعارضة، وكذلك للرّفيق رمضان بن عمر إزاء كلّ ما طاله من هجمات جرّاء نضاله ومواقفه المناهضة للفاشيّة والعنصريّة الممارسة ضدّ مهاجري و مهاجرات جنوب الصّحراء، واعتبار السلطات الرسميّة مسؤولة بصفة مباشرة عن هذا المناخ المعادي للعمل الحقوقي والسياسي وعن الممارسات الفاشيّة التي تطال بالأخصّ الفئات الأكثر هشاشة.

كل هذا وأكثر نعيشه  بعد مرور شهر فقط من إحتفاء الدولة التونسية بمرور 177 سنة على صدور أول وثيقة دستورية تجرم العبودية والرق ، نعيشه وفي إرثنا التشريعي واحد من أهم القوانين التي تحفظ الكرامة البشرية وهو القانون عدد 50 لسنة 2018 المناهض لكافة أشكال التمييز العنصري ، وفي إرثنا المؤسساتي هيئة دستورية تنشط منذ سنة 2016 وهي الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص

 فهل ما نعيشه اليوم من تفرقة هو بوادر موجة أكبر من العنف والانقسامات ؟ هل ستنجح ترسانة القوانين التي كانت تونس سباقة في تشريعها إلى منع الإنقسام أم ستبقى حبر على ورق طالما لم تسبقها وشاية ؟ أوليس الأمن المواطني والاستقرار ووحدة الشعب من الراهنات المحمولة على عاتق السلطة السياسية أيضا؟

Article précédentDélit de faciès – Arrestations arbitraires et campagnes haineuses à l’encontre des personnes migrantes d’origine subsaharienne en Tunisie
Article suivantA marée basse … l’ignorance s’entasse.