استقالات جماعية وانتقادات بالجملة: مالذي يحصل داخل حزب العمال ؟

  • بقلم : خلود الطرابلسي –

شهد حزب العمال في خلال الأيام الفارطة هزة أو زعزعة، إن  صح التعبير،  لعلها هي الأولى من نوعها في تاريخه.. فما عهدناه هو نشر الحزب لقائمات بأسماء من مناضليه بهدف الإعلان عن  طردهم أو تجميد نشاطهم اتخاذ إجراءات طبقا لما ينص عليه النظام الداخلي للحزب

لكن انقلبت الأدوار في هذه الازمة، وأعلن 63 عضوا وعضوة انسحابهم/هن بملئ ارادتهم/ن من أطر الحزب وعلى رأسهم ال 64 عضو اللجنة المركزيةالذي ناضل في صفوف الحزب طيلة العشرين سنة الماضية، وائل نوار والذي استثني من الانسحاب بعد طرده منذ حوالي شهرين

علاوة على ذلك، لم يتفاجئ الحزب ومنخرطوه وأنصاره ببيان الانسحاب فحسب، بل بمبادرة لتأسيس مشروع سياسي جديد أطلق عليه اسم « قاوم »،وربماتستوقف الكثيرين هنا سرعة التجاوز والمرور إلى تجربة جديدة أو بداية التفكير في ذلك والتأسيس له

عضو اللجنة المركزية لحزب العمال سابقا، وائل نوار

وحسب ما صرحت به مجموعة « قاوم » في بيان لها بتاريخ 7 أفريل الماضي، أن قرار الانسحاب وربما التأسيس جاء بعد مسار كامل من الصراع البيروقراطية الماسكة بقيادة الحزب لتتحول الوحدة الفكرية من وحدة قائمة على النقاش والصراع، إلى استقواء بالنظام الداخلي، إضافة إلى انحراف هذه القيادة بمسار الحزب هويته، توجهاته ومبادئه الذي أدى به إلى الخروج عن خطه الثوري، ليتحول إلى حزب انتخابي خدمة للأمين العام،وفق تعبيرهم، هذا بالإضافة الى العجز التام على إدارة الخلافات والانحراف بها عن محاورها لتتحول إلى عمليات تقوية ممنهجة طرد وتجميد وسحب عضوية خارج سياق كل الأطر الإجرائية والتنظيمية

الملفت للانتباه أن تصريحات هذه المجموعة ليست الأولى في تاريخ الحزب، بل تعود بنا الذاكرة هنا مباشرة لقرار طرد المناضل و النائب السابق عن حزب العمال مؤمن بالعانس سنة 2018 /2019 الذي أسس لاحقاً حزب النهج الشيوعي، إضافة إلى من سبقه من أسماء كثيرة اقترنت بالنضال والنشاط قبل الثورة وبعدها في صفوف الحزب ليتم الإعلان فيما بعد عن قرار طردها. التقى جزء مهم من هذه الأسماء، التي اختلفت تقديراتها وتصنيفاتها منذ سنوات وصولا إلى اليوم والى مجموعة  » قاوم »، عند نفس الأسباب والمؤاخذات عموما رغم اختلاف السياقات، فكثيرا ما عبر المطرودون والمستقيلون ومنسحبوا اليوم عن استيائهم مما وصفوه بالبيروقراطية التصفوية لقيادة الحزب وعلى رأسها ناطقه الرسمي اليوم الجيلاني الهمامي، فضلا  عن صراع الأجيال التاريخي بين « التشييب » و »التشبيب إضافة إلى التحالفات والتقاطعات أو التوجهات، فحدث 25 جويلية، على سبيل المثال، يكاد يشابه في تمظهراته وتأثيراته ما انجر عن تجربة جبهة الإنقاذ التي أفرغت الحزب من عديد مناضليه آنذاك، حسب رأي الكثير من المتابعين لهذه الازمات وحتى من كانوا معنيين بها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة آنذاك

وفي محاولة للنبش أكثر في مسببات هذا الحدث السياسي الذي لم يمر مرور الكرام سياسيا وإعلاميا، لباحث أن يتفطن لروايات راجت وتم تداولها وتأكيدها في أكثر من مناسبة حول مسألة  الظهور الإعلامي الذي اقتصرغالباً على شخص الأمين العام. احتكار حضور قيل أنه قد مورس عن قصد تضمن في بعض الأحيان منعا صريحا، الأمر الذي لم يثر تفاعلا سلبيا على المستوى التنظيم الداخلي فقط، بل أيضاً على مستوى الرأي العام المتابع، الأمر الذي وضع من جهة أخرى إشكالية  » تقديس الأشخاص أو الشخص الواحد » في واجهة التساؤلات المطروحة في علاقة بحزب العمال.

وتجدر الإشارة في نفس السياق، إلى أن رواية أخرى قد نالت قسطا من الرواج وتتعلق أساسا باعتراض المنسحبين على لقاءات  كانت قد جمعت قيادات الحزب وفي مقدمتهم أمينه العام مع قيادات في مبادرة  » مواطنون ضد الانقلاب »، كما تتعلق كذلك باستياءهم جراء عدم الحصول على توضيحات تنظيمية جدية حين طلبوا ذلك

في تصريح له لوكالة تونس افريقيا للأنباء، قال عضو اللجنة المركزية لحزب العمال سابقا، وائل نوار، أن قرار 64 عضوا مغادرة حزب العمال نهائيا عائد إلى الأسباب الآتي ذكرها

« الفشل في الحفاظ على هوية الحزب والسعي للتموقع والظهور الاعلامي، على حساب الدفاع عن افكاره وخياراته التي قام عليها »   « تكتيكات » الحزب في الانتخابات الفارطة وخاصة التمسك بترشيح حمه الهمامي للرئاسية مما ادى الى انقسام الجبهة الشعبية

المواقف الأخيرة المتعلقة ب « انقلاب 25 جويلية »، والتي كانت وفق تعبيره « أقرب إلى مواقف حركة النهضة وبعض السفارات الغربية »  ومتناقضة تماما مع قرارات مؤسسات الحزب الرسمية في عدم التعامل كليا مع المنظومة القائمة بمختلف أجنحتها (رئيس الجمهورية قيس سعيد وحركة النهضة والحزب الدستوري الحر)

وخلال حضوره في إحدى الإذاعات الخاصة مؤخرا، أكد العضو السابق باللجنة المركزية لحزب العمال، بلڨاسم بن عبدالله أن المؤاخذات التي انسحبت من أجلها مجموعة  » قاوم » لم تكن مقتصرة عليهم وأنها مطروحة أيضا لدى منتمين آخرين للحزب، لكنهم فضلوا البقاء ومحاولة الإصلاح من الداخل مؤكدا على احترامه المطلق لقرارهم هذا

من جهتها، لم تتأخر دائرة الاتصال بحزب العمال عن إصدار بلاغ توضيحي، عددت من خلاله معطيات أخرى  كالاشارة إلى أن  » ثلثي الممضين على البيان (43 من 65) ليسوا أعضاء في حزب العمال، وإنما هم من العناصر الشبابية أغلبهم حديثو الانخراط في اتحاد الشباب الشيوعي التونسي، والبقية عناصر حزبية منهم من انقطعت علاقته بالحزب منذ سنوات ومنهم من هو مجرد صديق ليست له رابطة تنظيمية قانونية وقلة فقط هم أعضاء ناشطون في الحزب

 ووفقا لنفس البلاغ، وصف حزب العمال الممضين على بيان الانسحاب الجماعي بال » منجرين وراء وائل نوار الذي تفطنت اللجنة المركزية منذ مدة إلى علاقاته المشبوهة الرامية إلى تخريب الحزب من الداخل واتخذت في شأنه منذ حوالي شهرين (19 فيفري 2022) قرار الطرد وعُرض ملفّه على عموم هياكل الحزب ومنظماته في كل الجهات للنقاش

توجيه تهم على غرار  » التخريب » و  » العمل لصالح جهات مشبوهة »، أثار بدوره عددا من ردود الأفعال المختلفة بين مؤيد ورافض ومتحفظ، كما تداوله جزء من رواد المواقع التواصل الاجتماعي على محمل الاستنكار والسخرية

Article précédentRamadan à la TV et le marketing mix de la polémique
Article suivantالسجل الوطني للمؤسسات :430 الف شخص غير مسجلين واكثر من 200 الف شركة لم تحين معطياتها