العم سعيد : رفيق وفي للشهيد السعيد

منذ طالت يد الغدر والإرهاب الشهيدين  شكري بلعيد ومحمد البراهمي ذات 6 فيفري و25 جويلية من سنة 2013،  حفر كل من التاريخين في ذاكرة هذا الوطن وظل صوت الرصاص   مدويا في ضمائر الأوفياء ومذكرا بجرح لن يندمل إلا عند كشف الحقيقة كاملة

إرهاب فترهيب فإعدام  لكل صوت حق

كان يعرفهم جيدا,و كان على قدرة كبيرة في أن يتوقع خطواتهم القادمة و ينذر بها الشعب بلا خوف أو تردد ,هكذا كان الشهيد السعيد

وهو الحال فيما يخص الشهيد محمد البراهمي أو الحاج البراهمي كما كان يحلو لإخوته ورفاق دربه مناداته، والذي كان بمثاية الأب للجميع

 كان صوته لا يعلو لغير الحق و للحرية ولا يمكن  لأحد أن ينكر عليه اعتزازه بهذا الوطن الذي دفعه إلى دعوة الجميع للخروج والاحتفال بعيد الجمهورية  حين تعمد عدد من التكفيرين والمتشددين المحسوبين على جماعة الإخوان بتونس آنذاك ترهيب و تهديد كل من سيحاول إحياء ذكرى  الجمهورية، وكانت هذه التهديدات طبعاً مرفقة بفتاوي التكفير وخطابات التحريض

اغتيال الشهيدين لم يكن يوما مجرد خطوة عشوائية من مجموعات إسلامية متطرفة دينيا و إنما هو مخطط كبير أعطاه الاخوان الغطاء السياسي والأخلاقي وفتحوا جميع الأبواب أمام  تنفيذه على نطاق واسع في تونس، فكانت البداية بالزعيم اليساري الذي يمثل خطرا داهما بالنسبة لهم من خلال خطاباته وطريقته التي تجمع بين العمق والبساطة، لتقنع المواطن وتهدد بالتالي أقتعتهم بالسقوط وأرصدتهم بالنفاذ؛ فكان الحل  الذي  سيخلصهم من هذا الهلاك السياسي المحدق هو اسكات صوته

ومن ثم وفي خطوة ثانية، تلتها عملية غادرة طالت محمد  البراهمي  أمام بيته بعد أن أصبح مصنفا ضمن الأصوات العالية، المسموعة والمنتمية الى اليسار التونسي. كما أصبح تواجده في الاجتماعات الشعبية والتظاهرات محل تفاعل واهتمام من قبل المواطنين إلى جانب وجوده في البرلمان كنائب شعب يمثل  حاجزا أمامهم ويعتبر توجهه وخطابه كاشفا لكل مخططاتهم المعادية للمصلحة الوطنية. لكن ورغم التصفية، نجحت مبادئ الشهيدين الصامدة ضد الرجعية وتحليلاتهم لأصل الأزمات المباشرة، من البقاء على قيد الحياة في كامل أرجاء البلاد وفي صفوف مختلف الفئات الشعبية لتوجههم في كل منعرج وكل أزمة نحو أمهات القضايا ولتثبت مجددا مدى دقتها وصدقيتها

الوفاء للشهيدين هو الوفاء لكل الشهداء

8 سنوات على الاغتيالات السياسية مرت وظلت  هيئة الدفاع خلالها تحارب وتنادي بكشف الحقيقة وكذلك بالكشف على كل من حرض ،خطط ونفذ ولازالت  إلى اليوم  تنادي بالكشف ومحاسبة كل من تستر على المتورطين، وساهم في عرقلة مسار تحقيق العدالة

أما بعيدا عن القضاء وأروقة  المحاكم، يوجد  « رجل الاستثنائي »   اختار أن يحارب طيلة هذه السنوات من أجل إبقاء الذاكرة حية وحتى لا ننسى شهداء الوطن على طريقته، فكانت الوقفة الدورية ميدان معركته وإطارها الأساسي

ويذكر أن هذه الوقفة الدورية كل يوم اربعاء على الساعة منتصف النهار وفضلا عن أنها قد أثثت وفرضت من طرف عدد من رفاق الشهيدين وعائلاتهم في تحد لأي رهان على عامل الوقت والنسيان، فقد شكلت  قوة ضغط من قلب الشارع

كما تجدر الإشارة هنا وأنه منذ  بداية انتظام هذه الوقفة بشكل دوري، كانت حضور الرفاق المتواجدين يعد ويقدر بالمئات في صورة واضحة تعكس درجة التمسك بالقضية و بضرورة المحاسبة والكشف عن كل الملابسات

 لكن مع مرور السنوات أصبح عدد الحضور لا يتجاوز العشرات. وتزامنا  مع التغيرات التي طرأت على الساحة السياسية ومع أزمة الجبهة الشعبية التي أدت إلى حلها وتفككها، أصبح   غياب بعض الوجوه والقيادات اليسارية واضحا  وطرح  غيابها أكثر من  نقطة استفهام،  ليتسائل البعض هل يمثل عدم  حضورهم  موقفا سياسيا؟ أم أن قضية الشهيدين أصبحت تهم فقط حزبي الشهيدين؟  أو لعل  اليسار التونسي في جزء منه قد تخلى عن قضية رفاقهم؟

أسئلة يطرحها الكثير و لكنها  بقيت أسئلة مبهمة بلا إجابة تذكر أو توضيح

وعلى كثرة التساؤلات وتراكم الخلافات والمتغيرات، تبقى مسألة ارتباط الوفاء للشهيدين بالوفاء لكل الشهداء وللمسار الثوري الذي حلما به، شاركا فيه واستمات كلاهما في الدفاع عن استحقاقاته وشعاراته؛ وحدها الحقيقة الثابتة والتي لا مجال للاختلاف حولها

« حي حي شكري فينا حي… حي حي البراهمي فينا حي…»

الرجل الاستثناء، الوفي رغم كل شي

خلال السنوات الثمانية المنقضية، ومع تتالي الدعوات لتنفيذ وقفات دورية كل يوم إربعاء للمطالبة بكشف حقيقة اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي بشارع الحبيب بورڨيبة بتونس العاصمة،ولئن اختلفت هويات الحضور وأعدادهم، إلا أن شخصا واحداً كان دائم الحضور.بملامح يختلط فيها الخشوع بالإصرار؛ أصبح وجهه مألوفا لدى جميع المشاركات والمشاركين وأضحى صوته الجهوري الذي لا يبح  ولا يخفت محفزا للحناجر إذا كفت عن الهتاف ودليلا موحدا للجميع إن غابت الشعارات أو تصادمت

 » سعيد » أو « عم سعيد » كما يناديه الكثيرون، يحمل معه شعارات الوفاء للشهداء أينما حل وفي أي مسيرة أو مظاهرة يشارك بها، وإن غير يوما شعاراته فإنه سيكون حتما من أجل النداء بتجريم التطبيع

مرتديا قميصا يحمل صورة الشهيد السعيد شكري بلعيد وكل من تاريخي ميلاده واغتياله، يتجول سعيد منذ سنوات بين مختلف المحافل ،الوقفات الاحتجاجية أو المسيرات، مصرا على طريقته على إحياء الشهيدين والتذكير بهذه القضية وضرورة كشف ملابساتها ومحاسبة القتلة

لا يسجل حضوره فقطمن خلال صوته و كل ما أوتي من جهد حد الاستنزاف، بل أنه يلقي بنفسه دون تردد في كل مرة ليفصل بين عدد من الشباب وبعض عناصر الأمن ويحول دون إيقافهم أو الاعتداء عليهم

في كل هذه اللحظات، لا يمكن لمتأمل ان يلاحظ تغيرا يذكر في ملامحه ونظرته الثابتة، مما يدفع للتساؤل من هذا الرجل ومن أين ياتي بكل هذا الإلتزام ؟

في الوقفة الدورية عدد 431 للكشف عن حقيقة الاغتيالات  أمام وزارة الداخلية بشارع الحبيب بورقيبة  حاولنا  أن نعرف  موقف هذا الرفيق الوفي   » العم سعيد عروس »  فأجابنا

  « هذه الوقفة الدورية الاحتجاجية لكشف الحقيقة و كل الحقيقة ، لكشف من دبر، من نفذ من حرض، من مول، من وفر الدعم اللوجستي،من وفر السلاح ومن تواطئ وصولا الى الأيادي القذرة التي قامت بهذين الاغتيالين الجبانين

و أضاف « العم سعيد

« نحن مصرون على مواصلة هذه الوقفة و لن نتوانى، و لن نكل، و لن نمل طالما لم تتجل الحقيقة كاملة وطالما لم يتم  تقديم كل الضالعين في عملية الاغتيال في محاكمة عادلة  لينالوا العقاب الذي يستحقونه

 غير هذا سنظل هنا و في الساحات و في كل المواقع من أجل كشف هؤلاء الذين اغتالوا السياسيين و الأمنيين، وفقروا البلاد و جوعوا العباد ودمروا هذه الدولة وفككوها لفضحهم أمام الرأي العام التونسي والعالمي

العم سعيد وغيره كثيرون هم قصص متنقلة لا تعكس فقط درجة وفاء ووطنية عالية، بل تمثل كذلك جسرا من أمل لا ينقطع وضمير لايخون، لعل البلاد تمر عبره يوما نحو مستقبل تكتب فيه الحقائق بلا تحريف وتسترد فيه الحقوق بلا تزييف

انتصار قصارة و ريم شعباني

Article précédentمشروع مراجعة تراخيص تعاطي الانشطة الاقتصادية
Article suivantLa garde Nationale Tunisienne aurait contraint sous la menace des armes des migrants à franchir la frontière libyenne.