تونس وأزمة الكورونا – بقلم انتصار قصارة

تعيش تونس منذ أكثر من 6 أشهر ازمة اقتصادية , سياسية وصحية  غير معهودة أساسها الانتشار السريع لفيروس كورونا  وعجز الدولة عن التصدي له والحد من انتشاره . فمع حلول الموجة الثالثة لوباء كورونا سجلت تونس أكثر من 20 الف حالة وفاة وهو العدد الأعلى على مستوى القارة الافريقية

واجهت حكومة المشيشي هذا الوضع الصحي  المتردي بأيادي مرتعشة وقرارات عشوائية ساهمت في تعميق الأزمة و زيادةالاحتقان الشعبي . وهو ما أدى إلى جملة من التحركات الشعبية المنادية بإسقاط الحكومة و حل البرلمان

اهتراء البنية التحتية للمستشفيات

مع تزايد عدد الإصابات بالفيروس التي وصلت الى أكثر من 5 الاف حالة في اليوم , عرفت المستشفيات بأغلب الولايات ارتفاع كبيرا في عدد المرضى المقبلين عليها  رافقه عجز في توفير اسرة الإنعاش و الأكسجين و أبسط وسائل العلاج

أزمة قامت بتعرية الوضع المزرى و الكارثي للمستشفيات  بتونس و أقسام الاستعجالي , اذ لم تتجاوز عدد اسرة الإنعاش بالمستشفيات 364 سريرا « وفقا لتصريحات شكري النفطي مسؤول الاعلام بوزارة الصحة »  مقابل مئات من المرضى المهددة بالموت وانقطاع الاكسجين في أي لحظة . وضعية عجزت وزارة الصحة عن التعامل معها و الخروج منها بأخف  الأضرار البشرية , فقد حصدت ولاية القيروان في 24 ساعة …. متوفى لعدم توفر الأسرة و الأكسجين

وضع صحي متدهور أدخل البلاد في حالة من الفوضى وخلف معه خوفا كبيرا في صفوف المواطنين من حصول كارثة صحية قد تؤدي بحياة  عشرات الالاف من  المواطنين , في المقابل ازدهرت تجارة المصحات الخاصة التي استقبلت هذا الوباء و مخلفاته بأسعار خيالية مقابل كل سرير انعاش و مقابل إعادة كل مريض الى الحياة , فقد كانت المصحات الخاصة حلا بالنسبة لمجموعة من المواطنين الذين عجزوا عن الحصول على سرير بالمستشفى او عن أعب اسطوانة اكسجين ينقذ حياة فرد من العائلة , وأمام هذه الازمة استغلت المصحات الخاصة هذا الوضع و فتحت أبوابها لاستقبال المستنجدين بها مقابل توفير ألاف الدينارات كضمان لدخول المريض و بداية علاجه …على ان ينتهي المطاف بالمريض وعائلته بعدد من الشيكات كضمان و مديونية تثقل كاهلهم

 سياسة انتهجتها المصحات لتحقيق الربح المالي  وأيدتها الحكومة بعدم فرضها وجوبية الانخراط في فك الأزمة واستقبال مرضى الوباء بلا قيود مالية , حتى لا تغضب رؤوس الأموال من أصحاب المصحات وشركات الأدوية الذين يتمعشون من أرواح المواطنين

وقفت الدولة أمام هذا المشهد عاجزة غير قادرة على ضمان أبسط حقوق هذا الشعب وهو الحق في الحياة, فقد فشلت صحيا في إدارة الأزمة وخلق الحلول البديلة و فشلت سياسيا في التعاطي مع المواطنين المحتجين و الرافضين للموت على أعتاب المستشفيات , و فشلت حين تجاهلت قرارات اللجنة العلمية المطالبة بحجر صحي شامل لمدة 3 أسابيع لوضع حد للكارثة الصحية التي تمر بيها البلاد , فقد فضلت حكومة المشيشي مصالح رؤوس الأموال على أرواح المواطنين و سلامتهم حكومة خدمت مصالحها و مصالح من زكاها و قدمت للشعب « الكريموجان » عوضا عن الأكسجين

تواصلت هذه المهزلة أكثر فأكثر الى ان أصبحت المنعش الأول لسوق مزودي الأكسجين الموازية , الذين كانوا وجهة المواطنين الذين لم يجدوا أسرة إنعاش بالمستشفيات ليصطدموا بأسعار خيالية مقابل كراء الات الأكسجين

يوم مفتوح للتلقيح خلف معه احتقان شعبي

أعلنت الحكومة من خلال وزير الصحة عن انطلاق أيام وطنية مفتوحة للتلقيح تمثلت في  أيام عيد الأضحى , لتستقبل جميع الفئات العمرية سواء كانت مسجلة بمنظومة « ايفاكس » اوغير مسجلة بها

خبر استقبله الشعب التونسي بكثير من الآمال في الحد من انتشار هذا الوباء و وضع حد للأزمة , فكان الاقبال على مراكز التلقيح المحدودة جدا  اقبالا كبيرا جدا فاق كل التوقعات , فقد أقبل الشباب بنسبة كبيرة على هذه المراكز املين في الحصول على الجرعة الأولى من التلقيح , الا ان الجميع صدم بالفوضى التي كانت تعم مراكز التطعيم وسوء التنظيم وسير العمل فيها , وعدم الانضباط للبرتوكول الصحي المعمول به من قبل المسؤولين على التنظيم والمشرفين على استقبال المواطنين وتحضيرهم لعملية التلقيح . حتى إن من تمتع بالجرعة الأولى من التلقيح هو عاجز اليوم عن  إثبات ذلك والمطالبة بالجرعة الثانية إذ أنه لم يتم تسجيلهم بالمنظومة

وللتذكير فإن عملية التنظيم داخل مراكز التلقيح قد أوكلت الى شركة إسداء خدمات اثر صفقة مشبوهة قدرت ب800 ألف دينار , دون أن يكون لهذه الشركة دراية بالمجال الصحي أو خبرة لأعوانها بالتنظيم و تسيير مثل هذه الوضعيات وهو أثبته الواقع الى حد اليوم

ازمة تنظيمية أخيرة دق معها ناقوس نهاية حكومة المشيشي الذي لم يشفع له اقالة وزير الصحة و تحميله مسؤولية الفشل كاملة , فقد طالب الشارع التونسي يوم 25 جويلية بإسقاط حكومة المشيشي باعتبارها حكومة الموت , و حل البرلمان لما خلفه من أزمات سياسية زادت في تردي الوضع الصحي

كانت عشية 25 جويلية الفيصل حيث خرج الرئيس قيس سعيد بخطاب للشعب التونسي أعلن فيه جملة من القرارات كانت كالاتي

تجميد عمل البرلمان

حل حكومة المشيشي

مسك جميع السلطات بيد رئيس الجمهورية  و ذلك وفقا لأحكام الفصل 80 من الدستور التونسي

قرارات حاسمة أيدها الشارع التونسي و اعتبرها خطوة الى الأمام نحو التخلص من الفساد والحكم الإخواني المسيطر على تونس منذ 2011

تعديل في الاستراتيجية الديبلوماسية وجلب  التلاقيح

لم ينتظر قيس سعيد طويلا لينطلق في تنفيذ جملة من الاستراتيجيات الديبلوماسية مع الدول الشقيقة و الصديقة من أجل توفير الكميات الازمة من التلاقيح و تعميمها , فكانت البعثات الدولية تتالى بين اليوم و الاخر لتحصد تونس حوالي 6 ملايين جرعة تطعيم ضد فيروس كورونا

أوكلت مهمة تسيير لجنة مجابهة فيروس كورونا الى الجيش الوطني وأعلنت وزارة الصحة عن تكثيف عملية التلقيح لدى الفئات العمرية المسنة والكهول  , كما تمكن الجيش التونسي ومنذ انطلاق حملة التلقيح  من الوصول الى العديد من المناطق الداخلية كولاية تطاوين ليتمتع أهاليها بعملية التطعيم

أيام وطنية مفتوحة للتلقيح و تكاثف للمجهودات

تمكنت تونس في هذه الفترة من توفير الدعم الصحي  ومحاولة توفير أكبر عدد ممكن من التلاقيح , وأعلنت وزارة الصحة عن يوم 8 أوت يوم تلقيح مفتوح  للفئة العمرية من 40 سنة فما أكثر , وفتحت الباب أمام الشباب ومكونات المجتمع المدني للتطوع في تنظيم و تسجيل المواطنين و كذلك التطوع ضمن الطاقم الطبي , ليكون المشهد مفاجئة  للجميع من ناحية حسن التنظيم والاستقبال .وعلى الرغم من التشويهات والمغالطات التي طالت المتطوعين في هذه الحملة  الا أن شباب  جمعيات والهلال الأحمر و الكشافة وغيرهم أقبلوا على التطوع بكل عزيمة وعملوا على إنجاح ذلك اليوم وتخليص تونس من الوباء ولو بصفة جزئية فانتهى اليوم بتطعيم 500 الف مواطن تونسي

تكررت هذه المبادرة يوم 15 أوت لتكون الفئة العمرية المعنية بالتلاقيح من 18 سنة الى 39 سنة وهي فئة الشباب ليلاقي هذا اليوم نفس النجاح وينتهي بتطعيم 596164 شخص بمختلف ولايات الجمهورية وفقا لبلاغ رئاسة الجمهورية .وقد أعلنت وزارة الصحة عن انطلاق عمليات التطعيم بالصيدليات منذ الإثنين 16 أوت للتسريع في تلقيح أكبر عدد من المواطنين ضد فيروس كورونا من كل الفئات العمرية ليصل العدد الجملي للتلاقيح الى حدود 21 جويلية 2021 4.940.117 تلقيح بين متلقي الجرعة الأولى فقط والجرعتين معا

دخلت تونس في تحدي كبير للحد من انتشار الفيروس والقضاء على النسق البطئ الذي كان معتمدا في عمليات التطعيم و ضمان بيئة صحية سليمة للشعب التونسي

انتصار قصارة

Article précédentStreet Art – Quand un artiste se mue en effaceur – par Hatem Bourial
Article suivantاللاجئون وطالبو اللجوء في تونس معاناة لا تنتهي