دستور 25جويلية و مسار التصحيح ،بين مؤيد و معارض

  • انتصار قصارة –

وضع سياسي استثنائي تعيشه تونس منذ 25 جويلية الى اليوم , بين مؤيد ومعارض على كل القرارات التي اتخذها قيس سعيد منذ ذلك اليوم

. فبين من يعتبره انقلابا على الشرعية و تهديدا للمسار الانتقالي منذ ثورة 2011 و بين من يتمسك بكونه تصحيحا لمسار الثورة و انتقال نوعي و هام في تاريخ تونس نجد أن السلطة التنفيذية و المتمثلة في شخصها رئيسها قيس سعيد سائر في طريقه دون توقف أو عودة الى منتقديه من الأطراف السيا سية , و هاهي تونس اليوم تقف على بعد أيام معدودات من عملية الاستفتاء على نص دستور الجمهورية الثالثة و على بعد أشهر قليلة من انطلاق الانتخابات التشريعية السابقة لآوانها و التي ستنعقد يوم 17 ديسمبر 2022 .  استفتاء طرح جدلا  كبيرا بين جميع مكونات المجتمع في تونس من أحزاب و مجتمع مدني و أساتذة قانون ,  بين مؤيد و معارض انطلقت الحملة التفسيرية للدستور ليكون 25 جويلية تاريخا حاسما للمسار

دستور 30 جوان جدل بين الديمقراطية و الدكتاتورية

اختلفت الآراء القانونية حول دستور 30 جوان الذي صدر بالرائد الرسمي بموجب أمر رئاسي عدد 578 لسنة 2022 ليكون محل استفتاء من الشعب التونسي , لتمتلأ بذلك البرامج التلفزيونية و الإذاعية  بأساتذة القانون الدستوري لتفسير هذا المشروع و تحليل فصوله فصلا فصلا

للقارئ من الوهلة الأولى أن يلاحظ العديد من الأخطاء اللغوية و التركيبات اللغوية فبداية من التوطئة يفتح باب النقاش حول نية المشرع و غايته من كتابته , هذا اذ صح أن نقول انها  توطئة دستورية , فهي أقرب أن تكون بيانا سياسيا أو مقال تاريخي يسرد تاريخ تونس النضالي و الدستوري و لكن وفق رؤية قيس سعيد الذي تجرأ على حذف مراحل هامة من تاريخ تونس لعل أبرزها تاريخ 14 جانفي 2011 و الذي يمثل جزء من الثورة التونسية إضافة الى تقزيمه الى  جل الدساتير التي عرفتها تونس و التي أسماها « نصوصا دستوريا

أما عن الناحية القانونية فلم يقف الجدل حد التوطئة بل انه يتجاوزها لجميع الفصول الواردة بالدستور و لعل أهم ما يلفت إنتباه القارئ هو غياب التنصيص عن مدنية الدولة , أي حذف الفصل الثاني من دستور 2014 و الذي ينص على أن تونس « دولة مدنية … » تنصيص سبق له أن أغلق الباب على كل الأفكار الرجعية و الصراعات الأيديولوجية التي عاشتها تونس منذ 2011 الى غاية صدور دستور 2014 ’ و لكننا اليوم و بغياب مثل هذا الفصل عن دستور سعيد قد يجد الشعب التونسي نفسه في تلك الدائرة من جديد و قد يتحول السيناريو الى ما هو أخطر  خاصة بوجود عديد الأطراف السياسية الرجعية كحزب التحرير الذي يطمح الى بناء دولة الخلافة , و قد أعلنت عديد الأطراف السياسية التونسية و مكونات المجتمع المدني عن إستنكارهم و تخوفهم من مثل هذه الإجراء الذي يهدد أمن البلاد و في هذا السياق عبرت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات عن موقفها  من هذا الدستور الذي  يعتبرونه  : » لا يمثل نقلة نوعية تتجاوز هنات و مطبات دستور 2014 بل ارتد الى نفي الطابع المدني للدولة

هذا وقد شهد الدستور الجديد إلغاء لعديد الهيئات الدستورية  و من أهمها هيئة الاتصال السمعي البصري و قد اعتبرت نقابة الصحفيين التونسيين في بيانها الصادر05/07/2022أن هذا الإلغاء : »… يفتح المجال أمام السلطة التنفيذية بالتدخل المباشر في قطاع الاعلام عبر منح اجازات البث و سحبها و تسليط العقوبات و هو ما يتعارض مع مكاسب الثورة و المعايير الدولية

و في نفس السياق أيدت أطراف سياسية أخرى على غرار حركة الشعب و التيار الشعبي و مجموعة الوطنيون الديمقراطيون و دعت الى الاستفتاء على الدستور بنعم و لترك مهمة التعديل في بعض فصوله الى المجلسين النيابيين و هو موقف التيار الشعبي بالأساس  فهل يعتبر هذا التأييد بحث عن التموقع من جديد من قبل هذه الأطراف أم هو إيمان منهم بنجاعة هذا المشروع ؟

و يتواصل الجدل في باب الاحكام العامة لنصل الى  الفصل 5 الذي فتح « جدل » عقيما , انطلق من البحث في نية قيس سعيد من وضعه هذا النص الى النقاش حول الفرق بين مقاصد الإسلام و مقاصد الشريعة

في هذا الاطار يعتبر قيس سعيد ان كلا المفهومين واحد و هو ما عبر عنه في تصريحه من داخل مطار قرطاج يوم توديع الحجيج بقوله : »  الدولة ذات معنوية… , أهم شيء هو تحقيق مقاصد الإسلام, تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية و هو ما سنعمل عليه في الدستور القادم …و الدولة ذات معنوية تسعى الى تحقيق مقاصد الإسلام و حتى مقاصد الشريعة … »  و قد اعتبر مرصد الدفاع عن مدنية الدولة هذا الفصل خطرا على الدولة و يفتح الباب نحو « إقامة دولة دينية على هيئة دولة الخلافة »

و بين دستور 2014 و النسخة المقدمة للاستفتاء اختلفا النصان فيما يتعلق بتسمية السلط التي يعتبرها سعيد وظيفة وليست سلطة ليكون التقسيم كالاتي: وظيفة تشريعية تتكون من مجلسين مجلس نواب الشعب و المجلس الوطني للجهات و الأقاليم و وظيفة تنفيذية متمثلة في رئاسة الجمهورية و الحكومة التي تقلصت صلاحياتها بمقارنة بالدستور السابق لصالح رئيس الدولة و وظيفة قضائية

و بالعودة الى الوظيفة التنفيذية فإن ما يتمتع به رئيس الجمهورية بموجب هذا الباب من صلاحيات يفتح الجدل و النقاش حول مدى نية سعيد في بناء ديكتاتورية الرئيس من جديد و هذا ما عبر عنه عديد أساتذة القانون الدستوري على غرار عياض بن عاشور , إذ اعتبرت الحكومة بموجب  هذا الدستور جسم صوري يتحكم به رئيس الجمهورية و ذراعه في تطبيق مشاريعه و قوانينه وفق ما نص عليه الفصل 87 من الدستور « رئيس الجمهورية يمارس الوظيفة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة

صلاحيات كبيرة يتمتع بها رئيس الجمهورية في هذا الدستور تفتح المجال للبحث عن مدى نجاعة هذا الاختيار و مدى ديمقراطية هذا التوجه فهو يتمتع بصلاحية حل المجلس بغرفتيه في صورة  تقديم لائحة لوم ثانية ضد الحكومة اما قبول استقالة هذه الأخيرة أو حل المجلس بغرفتيه أو إحداهما وفق ماورد  بالفصل 116  وكذلك تعديل النظام السياسي وفق الفصل 97

و هو ما اعتبره معارضوه الخطوة الرئيسية نحو نشأة الدكتاتورية الجديدة خاصة في غياب أي وسيلة لمحاسبة و مراقبة رئيس الجمهورية والا أنه في هذا السياق يجدر التذكير بأن مثل هذه الحصانة الواردة في دستور سعيد لم تكن غائبة أبدا بدستور 2014 اذ ينص الفصل 87 منه : » … لا يسأل رئيس الجمهورية عن الأعمال التي قام بها في اطار أدائه لمهامه

و في ظل كل هؤولاء المعارضين رحب العديد من الأطراف السياسية من مؤيدي مسار  25 جويلية في تونس بهذا الدستور و اعتبروه خطوة نحو التخلص من المنظومة السابقة التي أثبتت فشلها في تحقيق الانتقال الديمقراطي طيلة 10 سنوات من الحكم و قد عبرت هذه الأطراف السياسية عن دعمها التام لقيس سعيد و دعت الشعب  الى التصويت « بنعم » من أجل تونس و هو ما دعى اليه سعيد في رسالة الى الشعب التونسي بتاريخ ../../ … :  » قولوا نعم حتى لا يصيب الدولة هرم ’ و حتى تتحقق أهداف الثورة , فلا بؤس و لا إرهاب و لا تجويع و لا ظلم و لا ألم

بلعيد يتبرأ من دستور سعيد

استيقظ الشعب التونسي صبيحة الاحد 03/07/2022 على موقف صادم من العميد الصادق بلعيد رئيس اللجنة الاستشارية التي وضعها سعيد لصياغة الدستور و تقديمه , اذ صرح بلعيد في عدد خاص الى جريدة الصباح حول النسخة المنشورة من الدستور معتبرا أن اللجنة التي يترأسها ذات دور استشاري و هو أمر لا جدال فيه و لكن : « في سائر الأحوال فان التحويرات الجزئية و الطفيفة مقبولة عموما .الامر يختلف كليا في صورة إدخال تحويرات جذرية في الأصل و في روح النص الذي قدمناه …… و بعد التشاور مع صديقي الأستاذ أمين محفوظ و موافقته أصرح بكل أسف و بالوعي الكامل للمسؤولية تجاه الشعب التونسي صاحب القرار الأخير في هذا المجال أن الهيئة بريئة تماما من المشروع الذي طرحة سيادة الرئيس للإستفتاء الوطني و عبر عن أسفه لغياب البعد الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي عن الدستور و هو ما تبناه هو في المسودة التي قدمتها للرئيس قيس سعيد كما اعتبر بلعيد أن نص الدستور المنشور ينطوي على مخاطر و مطبات جسيمة وفق ما نشر بموقع شمس اف ام

لم يتوقف هذا الاستنكار لدى العميد الصادق بلعيد بل حتى الأستاذ أمين محفوظ  صرح أن هذا النص خطير ولا يؤسس الى نظام ديمقراطي

كما اعتبرت عدة أطراف مشاركة في اللجنة أن هذه النسخة المنشورة لا تعكس شيئا مما تم تقديمه في اللجنة,  موقف واجهته الأطراف السياسية و مكونات المجتمع المدني بآراء مختلفة بين مساند للجنة و مستنكر لتصرف الرئيس الأحادي و الذي يعبر من خلاله على انفراده بالرأي , و معارض اعتبر أن ما قام به سعيد هو أمر طبيعي بحكم الطبيعة القانونية للجنة و التي لا تتعدى أن تكون ذات رأي  استشاري فقط وفق ما نص عليه المرسوم ،و طرف ثالث مشارك في الحوار صرح أن ما نشره الصادق بلعيد ليس إلا نتاج عدد ضئيل ممن شاركوا في اللجنة و انه لا دراية لهم بهذه النسخة و هذا ما صرح به زهير المغزاوي في العديد من المرات في رده على الصادق بلعيد و يرى زهير المغزاوي و غيره من مساندي قيس سعيد أن النسخة المنشورة بالرائد الرسمي هي تتويج لمخرجات الاستشارة الوطنية و هو ما أكد عليه سعيد في رسالته المنشورة بالصفحة الرسمية بالفايسبوك. و تجدر الإشارة الى أن دستور بلعيد أو لنقل النسخة المقدمة من الصادق بلعيد قد تضمنت 142 فصلا و قد اتفقت مع النسخة المنشورة في تغيير مصطلح » سلطة  » ب « وظيفة  » . في حين غاب عن نسخة اللجنة كل تلميح لدين الدولة أو علاقة الدولة بالدين

خطاب التصحيح

توجه الرئيس قيس سعيد مساء الجمعة 08/07/2022 الى الشعب التونسي بخطاب مباشر بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك , حيث هنأ الشعب بهذه المناسبة و أعلن عن قيامه بتعديلات لغوية و ترتيبية في نص الدستور المطروح على الاستفتاء و ذلك بعد الجدل الذي شهدته الساحة منذ نشره اذ صرح  سعيد  : « أتوجه اليكم لأوضح لكم أن بعض الأخطاء قد تسربت للمشروع الذي تم نشره فوجب إصلاحها و تصويبها كأخطاء في الشكل و أخرى في الترتيب

و قد اعتبر سعيد أنه إضافة الى عملية التصحيح كان يجب الإشارة لبعض التوضيحات « درء لأي التباس

هذا و قد تطرق في خطابه الى الجدل القائم حول إمكانية عودة الديكتاتورية من جديد بقوله  : « و من المفارقات الغريبة في هذه الأسابيع الأخيرة أن البعض يتحدث عن الاستبداد و الديكتاتورية و هو تحت حماية الامن و يتصرف بكل حرية و لم توثر ضده اي قضية لا من أجل الثلب و القذف و لا من أجل راي أبداه او عبر ‘نه مواصلا خطابه إن الاستبداد ذهب بدون رجعة و لن يعود أبدا لا بنص الدسنور و لا باي حكم تشريعي اخر »و قد كرر في خطابه أنه لا خوف على الحقوق و الحريات في تونس و لا خوف على الديمقراطية

و قد شهدت النسخة المنشورة عدة تعديلات لعل أهمها ما ورد على الفصل الخامس محل الجدل الكبير أذ أصبح ينص على :  » تونس جزء من الامة الإسلامية وعلى الدولة وحدها أن تعمل في ظل نظام ديمقراطي على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس و العرض و المال و الدين و الحرية

إضافة الى ما ورد من تعديل على عملية انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية و هنا تجدر الإشارة الى ان أغلب الفصول المتعلقة بالمحكمة الدستورية لا تختلف اختلافا جذريا عما ورد بدستور 2014 عدا فيما يتعلق بالتركيبة التي أصبحت تضم قضاة فقط دون غيرهم

هذا بالإضافة الى تعديل في الفصل المتعلق بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية و الذي أصبح ينص على : « الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل تونسي أو تونسية غير حامل لجنسية أخرى مولود لأب و أم , و جد لأب و جد لأم  تونسيين , و كلهم تونسيون دون انقطاع

علاوة على  عديد الأخطاء اللغوية و التركيبية التي تم معالجتها. تعديل اعتبره معارضو سعيد وهما زائفا  فحين اعتبره مساندو 25 جويلية دليل على مرونة الرجل و تقبله للحوار و الاخذ بالرأي الاخر وفق ما عبر عنه التيار الشعبي وحركة الشعب و  مجموعة الوطنيون الديمقراطيون عن الناطق الرسمي لهم زهير اللجمي و الذي يرى في تعديل  الفصل 5 « اصلاح هام « وفق تدوينة له على موقع التواصل الفييسبوك  و هو ما تم تأكيده في بيانهم الصادر منذ ساعات حيث عبروا عن وجود عدة تحفظات فيما يتعلق بنص الدستور المقدم الى الاستفتاء و من مسار الحوار الوطني الا أنهم يعتبرون المشاركة في الاستفتاء بنعم خطوة نحو القطع مع الماضي و هو ما نص عليه البيان في النقطة الأولى :  » ان مسألة المشاركة في الاستفتاء تكتسي أهمية بالغة تتعلق برسم مستقبل شعب و وطن بعيدا عن الترف الفكري

و قد تبنى التيار الشعبي كذلك نفس الموقف من الاستفتاء من خلال الدعوة الى التصويت بنعم  معتبرين أن تمرير هذا النص سيضع حدا لمرحلة سوداء في تاريخ الشعب التونسي

في حين انطلقت عديد حملات المقاطعة و الدعوة الى التصويت ب لا من قبل أطراف سياسية عديدة على غرار جبهة الخلاص و حزب العمال التونسي و التيار الديمقراطي و الحزب الجمهوري و غيرهم من منظمات المجتمع المدني

و بين الاخذ و الرد انطلقت الحملة منذ 03/07/2022وسط 161 مترشحا للإستفتاء من بينها 24 حزب سياسي و 110 أشخاص طبيعيين و 27 جمعية و منظمة  وفق ا صرح به رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر , ليكون بذلك 25 جويلية التاريخ الفيصل في تحديد مصير مسار 25 جويلية

Article précédentOns Jabeur, ce n’est que partie remise
Article suivant« Un grain de sable du vaste univers » .. La NASA clarifie l’importance de l’image « historique »