لينا … المفردة في صيغة الجمع

  • قمر الزمان الخالدي –

أظن أننا سنحيا على إحياء ذكراها

مر هذا الأسبوع بوقع ثقيل على قلوب اصدقاء وصديقات الناشطة والمدونة لينا بن مهني صاحبة مدونة « بنية تونسية » ، حيث صادف يوم الجمعة 27 جانفي 2023 الذكرى الثالثة لوفاتها بعد صراع مع النظام والمرض

ارتكزت حياة لينا على قيم الإيثار و نكران الذات فهي التي نشأت بين أيادي « آمنة » و في بيت المناضل الصادق « صادق بن مهني »  أحد مناضلي حركة برسبكتيف التونسية و من بين أشد المعارضين في العهد البورڨيبي واستمر نضاله إلى ما بعد الثورة فهو الثابت على مبادئه، التي توارثتها عنه لينا بعد أن استمدت كل قوتها من والدتها آمنة بن غربال او كما يحلو لنا تسميتها « مينا أم لينا » ، كل هذا واكثر شكّل شخصية « البنيّة التونسية » ، لينا أستاذة جامعية مُدرسة لغة انجليزية واصلت تعليمها وتحصلت على الاستاذية رغم فقدانها أهم أعضائها ، رغم فقدان كليتها

حيث استمرت في صراعها مع المرض بقطعة من جسد والدتها التي وهبتها كلية ومعنى أعمق للعطاء و التبرع

فنجد لينا من بين بطلات رياضة المنتفعين بزرع الأعضاء وقد تحصّلت على عدّة ميداليات

لم يتوقف معنى العطاء عند لينا هنا بل شقت طريقا مُعبدا بالحروف و الكلمات في زمن حُجبت فيه الكلمة والانترنت

 أطلقت على هذا الطريق اسم « بنية تونسية

فجمعت في مدونتها المحظورة زمن بن علي كل ما وصلها من أخبار قمع وتنكيل في انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 و اعتصام طلبة منوبة والسجون الذين فُتحت لهم بدلا من مدارج الكلية

و في سنة 2009 ومع تكرار سياسة التضييق على الحريات و حجب الانترنت أطلق عدد من النشطاء والمدونين وعلى رأسهم لينا بن مهني حملة « نهار على عمار » التي جاءت في شكل حركات رمزية وسط شارع الحبيب بورڨيبة بعد رفض وزارة الداخلية الترخيص لهم بالتظاهر

ومع تعاقب الأحداث وتسارع نسقها و انطلاق الشرارة الأولى للثورة ، حملت لينا الكاميرا على كتفها مثلما حملت على عاتقها مسؤولية إيصال صور الثورة للعالم ، حيث وثقت جزء هاما من تاريخ تونس كي لا يُقبر بتعدد التواريخ والأزمنة. و واصلت لينا على رسم الكلمات بالصور والحروف طيلة العقد الذي أمضته بين صراع المرض والنظام

وهنا نكون تقريبا قد عرجنا على ثلاثة نقاط مفصلية من حياة لينا أما بعد الثورة فلا يسعنا تعداد الحملات التي انخرطت فيها لينا فكل الحملات قد تجمعت في شخص لينا

ومما لا خلاف فيه أن لينا بن مهني هي من بين الشخصيات الجامعة ، هي المفردة في صيغة الجمع ، جمع اصدقائها و احبابها

ومحل جمع و إجماع من أناس سمعوا عن أثرها دون أن يعرفوها ، فما بالك بمن عاشروها و عاشرنها ومن حملوا و حملن « عرشها » على أكتافهم

اللواتي والذين اختاروا تكريمها بجمعية تحمل أسمها وتواصل مسيرتها « جمعية لينا بن مهني »

قد دأبت جمعية لينا بن مهني على إحياء ذكرى وفاتها طيلة السنوات الثلاثة بأشكال متعددة و المُلفت للنظر في هذه الدورة هو أنها كانت شاملة لمختلف العروض وحاضنة لمختلف الفنون ، فقد أطلقت الجمعية يوم 29 ديسمبر بلاغا على صفحاتها الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي يتضمن نداءً إلى الفنانين والفنانات للتأثيث فعاليات تظاهرة إحياء الذكرى الثالثة وكان البرنامج متنوعا بين مسرح وغناء و رسم وافلام

حيث احتضن ركح قاعة الريو بالعاصمة مساء السبت 28 جانفي 2023 هذه الفعاليات التي تقاطعت فيها تقريبا كل القضايا التي دافعت عنها لينا بن مهني طيلة حياتها كمناهضة العنصرية بفيلم للمخرجة الشابة  منى بن حماد  و فيلما حول معاناة المرأة الريفية بعنوان « المعتصمة » ولم تمر الذكرى دون أن تُحلق « الفراشة » فوق الركح كتذكير بقضية « السجين 52 » المخرج التونسي عصام بوڨرة مخرج فيلم فراشة والقابع في سجنه منذ أوت 2021

كما كان للصحافة المنحازة نصيبا من البرنامج فقد تم عرض مقتطفات من أرشيف الموقع الصحفي ROOTS TV من إعداد الصحفي سليم قاسم والصحفية انتصار ڨصارة يوثقوا فيه جزءً من جنازة لينا بن مهني و شهادات ممن ساروا معاها خطوة بخطوة على درب الحرية

© Marwen Bedhiefi

ومثلما ما عودتنا الراحلة عنا غصبا و الساكنة قلوبنا طوعا أن تكون جامعة لنا رغم تعددنا و أن تكون حديقة بألف وردة و وردة كانت ذكرى رحيلها كذلك أيضا، فقد عملت الجمعية على إعادة الروح في الفرق الموسيقية الشبابية التي خِلنا أنها رحلت مثل كل جميلٍ في هذا الوطن كفرقة « رحالة » مثلا

Yasser Jradi – © Marwen Bedhiefi
© Marwen Bedhiefi
© Marwen Bedhiefi

كما لم تغفل لجنة التنظيم و جمعية لينا بن مهني عن القضايا الوطنية العالقة مثل ملف قضية الشهدين شكري بلعيد و محمد البراهمي، ونحن على مشارف إحياء الذكرى العاشرة لاغتيال شهيد الوطن والمحاماة شكري بلعيد، حيث تم تكريم هيئة الدفاع عن الشهدين في شخص الاستاذ نزار السنوسي المحامي وعضو الهيئة

© Marwen Bedhiefi

وكل هذا جعل من ذكرى الثالثة لوفاة  لينا بن مهني ترتقي إلى مصاف المناسبات الوطنية -كما كان يجب أن تكون- ، كل هذا وأكثر جعل من ذكرى لينا تكون شبيهة بها بما آمنت به وناضلت عليه  لترسخ في الذاكرة الجمعيّة جزء آخر من أثر لينا الحية بنا وفينا دائما وأبدا

Article précédentاضراب بالمعهد الأعلى بالمحاماة
Article suivantالسبت 4 فيفري 2023 – اليوم العالمي لمحاربة نظام الحدود القاتل