منذ أكثر من نصف قرن، تعيش قابس على وقع جريمة بيئية متواصلة، جعلت من « المدينة الخضراء » رمزًا للتلوث والموت البطيء. فالتسربات الكيميائية، والنفايات الملقاة في البحر، والهواء المسموم الناتج عن المجمّع الكيميائي التونسي، حوّلت حياة آلاف السكان إلى معاناة يومية
ورغم الوعود المتكرّرة من الحكومات المتعاقبة بإصلاح الوضع أو نقل الوحدات الملوّثة، ما يزال الواقع البيئي في قابس كارثيًا. التربة ملوّثة، البحر يحتضر، والإنسان يدفع الثمن بصحّته وكرامته.
لكن في مقابل هذا المشهد القاتم، هناك وعي شعبي متزايد وحراك مدني متصاعد، يقوده نشطاء بيئيون وصحفيون مستقلون، يرفضون الصمت ويطالبون بالعدالة البيئية.
منذ سنوات، كانت ROOTS TV من بين القلائل الذين دقّوا ناقوس الخطر مبكرًا. فقد أنتجنا تقارير ميدانية ووثائقيات حول الكارثة البيئية في قابس، من أبرزها الفيلم الوثائقي «قابس… صمت يُقتَل» الذي عُرض سنة 2020 ضمن حملة Advocaty for Gabes، من أجل كشف الحقيقة ودفع السلطات إلى تحمّل مسؤولياتها
اليوم، السؤال الذي يطرحه الجميع:
هل يمكن لقابس أن تتعافى من هذا التلوث التاريخي؟

الجواب ليس مستحيلًا، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، ورؤية بيئية جادّة، ومحاسبة شفافة لكل المسؤولين عن الكارثة. كما يحتاج إلى دعم شعبي متواصل وإعلام حرّ لا يخاف من قول الحقيقة.
قابس يمكن أن تتعافى…
لكن فقط إذا تحوّل الغضب إلى مشروع جماعي للإنقاذ،
وإذا قرّرنا جميعًا أن الأرض ليست ملكًا لمن يدمّرها، بل لمن يحميها.
بقلم سليم قاسم




