خيط رفيع بين التخلص من قضاء ماقبل25 جويلية و انفراد سعيد بالسلطة القضائية

إنتصار قصارة

منذ ثورة 17/14 الى غاية اعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد تجميد عمل البرلمان و حل حكومة المشيشي , فترة اعتبرها التونسيون عشرية سوداء في تاريخ القضاء التونسي , بعد أن سيطرت حركة النهضة على السلطة القضائية  من خلال وزير العدل الأسبق نورالدين البحيري  و باتت الاحكام في قضايا الإرهاب و الاغتيالات السياسية تصدر من أروقة مونبلزير بدلا عن أروقة المحاكم

اغتيالات سياسية و عمليات إرهابية و تجسس و تهديد لأمن الدولة و تسريبات مسجلة و أخرى موثقة كلها باتت في تلك الفترة مجرد حبر على ورق بعد ان اختفت أدلتها و اختفى مرتكبوها

25 جويلية تصحيح مسار كان أو انقلاب على مؤسسات الدولة نقاش قانوني و دستوري اختلف فيه أساتذة القانون الدستوري في تونس و لكن لا يمكن لأي متابع للوضع اليوم أن ينكر أن  هذا القرارقد كشف  عن  حقائق لم يكن الشعب التونسي على دراية بها

و من خلال هذا القرار أصدر سعيد عدد من القرارات في عدة مجالات اعتبرها معارضوه سيطرة على مفاضل الدولة و بداية الطريق نحو إعادة إرساء الحكم الواحد

في ذكرى اغتيال الشهيد شكري بلعيد حل المجلس الأعلى للقضاء

©Photo Slim Kacem

الاحد 6 فيفري 2022 تاريخ قد لا ينساه الشعب التونسي , تاريخ أعلن فيه قيس سعيد من داخل وزارة الداخلية الاتي   » المجلس الأعلى للقضاء أصبح في عداد الماضي  » كلمة اعتبرها مناصرو قيس سعيد اعلانا منه على حله للمجلس الأعلى للقضاء و دعوة غير مباشرة للتظاهر امام مقر المجلس و المطالبة بحله

قرا رجاء بعد انتقاد كبير من سعيد لمنظومة القضاء و وصفها بالقضاء البطئ و القضاء المنحاز , وقد  تزامنت هذه الخطوة  مع احياء ذكرى اغتيال الشهيد شكري بلعيد , حيث نظم عدد من المنظمات الوطنية و الأحزاب السياسية و نشطاء المجتمع المدني وقفة بساحة الشهيد بلعيد (ساحة حقوق الانسان محمد الخامس) للمطالبة بكشف حقيقة الاغتيالات السياسية و محاسبة كل من مول و خطط و نفذ وفق ما صرح لنا به عميد المحامين الأستاذ  بودربالة  و قد أضاف السيد العميد أيضا في تصريحه  لرووتس حول موقف الهيئة من قرار حل المجلس الأعلى للقضاء :   » منذ مدة و الرئيس  كان ينادي بتطهير القضاء من الفاسدين و كان يؤكد على أن هناك عديد القضاة الشرفاء ..أما في علاقة بما اتخذه فإننا سنتعامل بصورة إيجابية مع هذا القرار

عدنان البراهمي ©Photo Intissar Gassara

هذا و قد أكد عدنان البراهمي ابن الشهيد  الحاج محمد البراهمي لرووتس : « ان  القضاء بالنسبة لنا منتهي , ,و  القضاء كجسم للأسف تلوث بفعل الاختراقات ,أما في خصوص  الخطوة التي قام بها سعيد  فهي تصب في المخاض الجديد لتطهيره و تحريره من سطوة الاخوان « 

قرار تقبله القضاة برفض تام , خاصة بعد أن قامت قوات الأمن صباح الاثنين 7 فيفري 2022 بإغلاق مقر المجلس الأعلى للقضاء و منع كل الموظفين و الأعضاء من دخوله و قد اعتبر السيد يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء في عديد التصريحات  أن ما قام به سعيد هو خطوة خطيرة و استيلاء من السلطة التنفيذية على مؤسسات الدولة

كما ورد في بيان المجلس الأعلى للقضاء اثر اعلان حل المجلس ما يلي  : « إهدار مفاجئ لكافة ضمانات استقلالية القضاء وتقويض واضح للدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها

و بتاريخ 12/02/2022 أصدر رئيس الجمهورية قيس سعيد المرسوم عدد 11 القاضي بحل التركيبة السابقة للمجلس الأعلى للقضاء و الإعلان عن مجلس وقتي بتركيبة مختلفة نتبينها من خلال الفصل الثاني : » يتكون المجلس الأعلى المؤقت للقضاء من « المجلس المؤقت للقضاء العدلي » و »المجلس المؤقت للقضاء الإداري » و »المجلس المؤقت للقضاء المالي. »

منح المرسوم المذكور رئيس الجمهورية صلاحيات هامة اذ ينص الفصل 15 من المرسوم على : » مراجعة التعيينات وإجراء حركة قضائية جزئية والنظر في مطالب التظلم عند الاقتضاء لضمان حسن سير القضاء »

كما لرئيس الجمهورية وفقا للفصل 20 من نفس المرسوم :  « الحق في طلب إعفاء كل قاض يخلّ بواجباته المهنية بناء على تقرير معلّل من رئيس الحكومة أو وزير العدل »

وانتقد القضاة هذا المرسوم و اعتبروه سيطرة فعلية على السلطة القضائية و إجراء سيزيد من تدجين القضاء عوضا عن إصلاحه , كما اعتبر القضاة أيضا هذا المرسوم خرق تام لحق العمل النقابي و الاضراب اذ ينص  بالفصل التاسع منه على:  » يحظر على القضاة من مختلف الأصناف الإضراب وكلّ عمل جماعي منظم من شأنه إدخال اضطراب أو تعطيل في سير العمل العادي بالمحاكم. »

و في رد من سعيد على كل هذه الانتقادات اعتبر أن القضاء هو وظيفة و ليس سلطة أكبر من الدولة , و في نفس السياق

اعتبر عميد المحامين في تصريح له على قناة التاسعة :  » اذا كان القضاء سلطة فالسلطة لا تضرب عن العمل… ».

صدور المرسوم و بداية العمل به لم تمنع جمعية القضاة و القضاة الإداريين من الإعلان يوم 17 ديسمبر عن الاضراب عن العمل بكامل المحاكم , اضراب شارك فيه عدد مهم من القضاة في حين لم يمتثل له البقية .

 و قد أعلنت جمعية القضاة كذلك في بلاغ صادر عن المكتب التنفيذي بتاريخ 22/02/2022  عن ندوة صحفية بتاريخ 23/02/2022 بقصر العدالة بتونس  تليها وقفة احتجاجية بتاريخ 24/02/2022 و » تأخير لجميع الجلسات بساعة بشكل دائم مع حمل الشارة الحمراء  » و ذلك » الى حين استعادة االسلطة القضائية « 

بين بناء قضاء مستقل يحقق العدالة المنشودة و بين سيطرة جديدة على القضاء من خلال رئاسة الجمهورية تتعدد المواقف و تختلف الحجج بين ذلك و ذاك و لكن تبقى الدعوة الى اخراج القضاء من المعركة السياسية أولى الخطوات التي تحقيق سلطة قضائية نزيهة

Article précédentNajla s’en va-t-en Mer
Article suivantالاجندة الجبائية لشهر فيفري 2022