حالة غليان و عضب غير مسبوقين تعرفهما تونس منذ بداية هذا الاسبوع على خلفية اصدار محكمة الكاف شمال غرب البلاد ثلاثة احكام بثلاثين سنة سجنا و اخر بخمسة سنوات في حق شباب على خلفية تدخينهم مادة القنب الهندي المعروفة في تونس تاريخيا بالكيف في ملعب كرة قدم مهجور
قساوة هذه الاحكام القروسطية (30 سنة من اجل سيجارة) صدمت الرأي العام الشعبي و الحقوقي و الاعلامي و فتحت الباب على مصراعيه لاطلاق النار على القانون المنظم لهذه المسألة قانون 52 لسنة 1992
هذا القانون، حفت باصداره عوامل سياسية هامة صبغته بالطابع الزجري و هي أساسا فضيحة الاتجار العابر للقارات بالمخدرات المعروفة بكسكوس كونكسيون و التي تورط فيها شقيق الرئيس وقتها زين العابدين بن علي، و هنا تفتقت قريحة بلاطه في اقتراح قانون زجري يضع كل المخدرات في سلة واحدة و يجرم تعاطيها بعقوبات سجنية و مالية ثقيلة، لا خوفا على شباب البلاد و انما لتبييض صورة النظام و درء شبهة تمكين بن علي لشقيقه، من جواز سفر ديبلوماسي مكنه من الهرب من قبضة العدالة في فرنسا
كل هذه المعطيات اضافة الى الفشل الذريع الذي عرفه قانون 52 في الحد من انتشار المخدرات، مقابل نجاحه في تحطيم مئات الآلاف من الشباب و تدمير عائلاتهم ووصمهم بالمجرمين جعل مبادرات تغيير هذا القانون تتالي و كانت قضية شباب الكاف بمثابة القطرة التي افاضت الكأس، فسرعان ما تشكلت لجان مساندتهم و دعوات التظاهر في الكاف و العاصمة تونس لوقف هذه المهزلة القانونية
و عودة لقضية الحال فإن القضاء برر هذا الحكم باستناده على الفصل 11 من قانون ماي 92 الذي ينص على تطبيق اقصى عقوبة مدرجة بالفصل السابع و المتمثلة في 20 سنة سجنا لتهييء ملعب رياضي او مؤسسة صحية او سجنية لتعاطي المواد المخدرة تضاف اليها 5 سنوات من اجل المسك و 5 اخرى من أجل الاستهلاك
إلا أن هذه الحجة تبدو ضعيفة لأن ما سمي ملعبا هنا هو عبارة عن ملعب سابق مهجور يكاد يتحول الى خرابة على مرأى السلط التي لم تحرك ساكنا لانقاذه اضافة الى ان الاستهلاك يقترن ضرورة بالمسك و لو لفترة وجيزة ما يكشف نية التشفي في شباب في مقتبل العمر و الضرب عرض الحائط بالقيم الانسانية و عدم التفكير في عذابات العائلات التي مازالت حتى الان تحت هول الصدمة
و امام تسارع الاحداث و الظرفية الدقيقة التي تمر بها البلاد من حراك احتجاجي و مظاهرات ذات طابع اجتماعي، تخشى السلطات من أن تكون قضية شباب الكاف نقطة اللاعودة في تجذير هذه الاحتجاجات ما يدفعها الى الاسراع في امتصاص غضب الشارع عبر الاعلان عن نيتها تنقيح قانون 52 و التخفيف في بعض فصوله السالبة للحرية
في المقابل تبدو المجموعات المدافعة عن ضحايا هذا القانون و المطالبة بتقنين نبتة القنب مصرة على ضرورة التزام تونس بتطبيق مقررات الامم المتحدة و منظمة الصحة العالمية التي سحبت ديسمبر الماضي مادة القنب الهندي من جدول المخدرات الخطيرة ما يعادلها في تونس سحب القنب من الجدول ب كخطوة عملية أولى في انتظار الاتفاق على محتوى و فصول النص القانوني الجديد
و كان الائتلاف الشبابي المنادي بتغيير هذا القانون قد اعلن الجمعة 29 جانفي في بيان له انتقاده الشديد لبعض المنابر الاعلامية التي تعمق الصورة المغلوطة عن القنب الهندي و متعاطيه كاشفة قرب اعلان تشكيل جبهة حقوقية سياسية تحت مسمى جبهة تحرير القنب. فهل تستجيب السلطات لمطالب الشارع و توقف المظلمة في حق شباب الكاف و تعلن سحب القنب الهندي من الجدول ب أم ستواصل صم آذانها عن مطالب الشباب المحتج