جريح ثورة اخر يترجل … عندما تأكل الثورة أبنائها

بالأمس طارق الدزيري , ناجي بن البشير الحفيان  احفظوا هذه الأسماء جيدا لأنها و منذ عشر سنوات مضت فتحت لتونس نوافذ الحرية , واسترجع شعبها بدمائهم كرامته المسلوبة لأكثر من خمسين سنة . هم و مئات من الشباب اختاروا الشوارع حتى يحرروا وطنا نهبته الذئاب فكان رصاص النظام يترصدهم الواحد تلو الأخر

معركة جرحى و شهداء الثورة لم تخمد يوما واحدا منذ 2011 , فالمعركة هي معركة كرامة واعتراف وطني قبل كل شيء

الا أن صراع  ديسمبر 2020 كان الحاسم في تاريخ جرحى الثورة و عائلات شهدائها , فالمطلب الأساسي للاعتصام الذي دام من 20 ديسمبر 2020 الى 20 مارس 2020 لم يكن التعويضات المالية , بل كان أساسا نشر القائمة النهائية للجرحى و الشهداء بالرائد الرسمي , أي مطلبهم كان اعتراف الدولة به , واعتراف الشعب بهم حتى لا يزور التاريخ  و حتى لا ندرس للأجيال القادمة تاريخا مشوها بالأكاذيب

اعتصام أنصف شباب الوطن

اعتصام دام حوالي 4 أشهر خاض فيه الجرحى اشكالا نضالية متعددة , فلم تمنعهم جروحهم من خياطة أفواهم احتجاجا على الهرسلة التي تعرضوا لها من قبل رئيس هيئة جرحى و شهداء الثورة عبد الرزاق الكيلاني الذي ماطال في دراسة الملف و نشر القائمة , لم يتهاونوا رغم أوجاعهم لحظة واحدة عن مواجهة قمع البوليس و الحجر الصحي السياسي الذي فرضه المشيشي يوم 14 جانفي ذكرى الثورة  بتعلة الوضع الوبائي في تونس و تعرضوا للضرب في اليوم الذي وجب تكريمهم فيه لما قدمه لهذا الوطن

تواصلت نضالات هؤلاء الشباب و لم يطرق اليأس بابهم يوما على الرغم من محاولات أطراف عدة التلاعب بملفهم و المتاجرة به  لمصالحهم السياسية الضيقة , فلقد كانوا أنضج من أغلب السياسيين « المحنكين » في هذا الوطن . لم تكن عبارتهم مجرد شعارات يرفعونها في وجه ظالمهم فقد كانت أصوات شهداء و جرحى تركوا وصايا لهذا الوطن , فلينا بن مهني لم تستلم يوما في هذا الملف و كانت دوما على يقين أن هؤلاء الجرحى أصحاب حق و ليسوا دعاة باطل و سينتصرون يوما ما

طارق الدزيري و ناجي بن البشير الحفيان من التالي ؟

طارق الدزيري هو جريح ثورة الكرامة أب لطفل لم يتجاوز 10سنوات توفي بعد ما ماطلت الدولة في الاستجابة لطلب علاجه من جروحه القاتلة , ترك زوجة و ابنا بلا مورد رزق و لا سند وبقيت الى اليوم عائلته تطالب بمسكن يأويهم. ناجي بن البشير الحفيان شاب لم يتجاوز 26 سنة أصيب في رأسه بمتراك البوليس مما تسبب له اضرار جسيمة أدخلته في حالة نفسية و عصبية عسيرة في عمر 15 سنة , اصابة مباشرة حالت دون تمكينه من مواصلة تعليمه و تحقيق أحلامه و رغم اصابته البالغة تمكن من النجاح بامتياز في تلك السنة الدراسية ,الا أن الدولة لم تلتف له و لم تهتم لحالته مثله مثل باقي الجرحى , فهو لا يتمتع ببطاقة علاج مجاني و لا بطاقة تنقل مجاني و لا منحة مالية يقتات منها , طالت بطالته و زادت أوجاعه و تعكرت حالته النفسية أكثر فأكثر

الصورة بعدسة هدى الشهيدي

التحق ناجي بالاعتصام في ديسمبر و كان اسمه من بين الأسامي الواردة بالرائد الرسمي في 19 مارس 2020 الا أن  هذا الإجراء لم يكن كافيا لإعادة الشاب ناجي الى الحياة مجددا , فقد صرحت اخته لنا : لقد توجه أخي منذ أشهر الى السيد عبد الرزاق الكيلاني طالبا منه التدخل من أجل تسوية وضعيته المهنية , فرد عليه الكيلاني : »موضوع الخدمة أنساه »

و أضافت أخت الجريح قائلة : « عاد أخي يائسا من العيش في هذا الوطن , فهو يرى في تحسن أوضاع أصدقائه المالية و المهنية , و هو الذي كان متفوقا و يحلم بالنجاح دائما , صار يقف أمامي يوميا ليطلب ثمن قهوة أو سيجارة مطأطئ  الرأس « 

راسل ناجي الحفيان منذ أسابيع رئاسة الجمهورية عبر الفاكس لطلب النظر في حالته الاجتماعية و إيجاد حل له , الا أن مراسلته لم يتم الرد عليها و نظرا للحالة النفسية السيئة جدا له قرر في لحظة فقد فيها كل الأمل أن يضع حدا لحياته أو بالأحرى لمعاناته اليومية

و حسب تصريح أخته فقد توجه الى المطبخ بعد ان سكب على نفسه مادة حارقة و أخذ القداحة و أضرم النار في جسده ثواني قصيرة كان كافية لأن يكون المشهد كارثي

اسرعت اخوات الجريح الى اطفائه و لكنه و حسب تصريحهن كان يدفعهن عنه صارخا في احداهن : »ابعد انت عندك بنات »

نقل ناجي الى المستشفى في حالة حرجة و قضى هناك بضعة أيام قبل أن يتوفى , في الأثناء راسلت عائلة الهالك رئاسة الجمهورية مجددا عبر مراسلة تم ايداعها بمكتب الضبط لرئاسة الجمهورية , فحواها تمكين الشاب من بطاقة علاج بصفة استعجالية حتى يتمكن من المعالجة و أخذ الادوية , إضافة الى طلب النظر في ملفه , الا أن المراسلة التي كانت بتاريخ 31/08/2021 لم يستجب لها مكتب الرئاسة

تعكرت الحالة الصحية لناجي الحفيان و توفي في المستشفى متأثرا بحروقه , ليتم دفنه بتاريخ 04/09/2021  دون حضور أي مسؤول عن الدولة و في غياب تام لأي هيكل رسمي

مصير مجهول لبقية الجرحى

الصورة بعدسة هدى الشهيدي

لا يختلف باقي الأسماء الموجودين بالقائمة عن طارق و ناجي , فخالد بن نجمة مثلا ذلك الشاب الذي أصبح  عاجزا عن المشي و بعد صراع طويل مع الأدوية و العمليات , يعاني الى اليوم من أوجاعه و ينتظر الى الان مثله مثل رفاقه تطبيق القانون و إعطائه حقوقه كاملة و في تصريح له معنا : » اليوم أنا لم أتمكن من توفير المال لشراء الدواء اللازم لي و لولا تبرع الأصدقاء لما تمكنت من توفيره »

« مصيرنا واحد و كل من يأتي لحكم هذا الوطن يوهمنا أنه سيأخذ بيدينا الا أننا نجد أنفسنا مع كل سنة تمر نخسر جريح أو اثنين منا  » هكذا ختم خالد بالنجمة حديثه معنا على أمل أن يسمع صوته

أما علاء و هو الجريح الوحيد بمنطقة سيدي ثابت يعاني الى اليوم من الهرسلة المتواصلة من الجهات الرسمية التي لم تستمع لآلامه و تريد اسكات صوته المطالب بالحق . فهو الى اليوم يحمل داخل يده « الحديد » مما يستوجب  عملية لإخراجه

حالات طبية و اجتماعية استعجالية تحتم على الدولة التدخل فيها و إيجاد الحلول لها , فإجرائها لا يتطلب بضعة الأسابيع لإنهائها و إعطاء كل ذي حق حقه ليصح لنا القول بأننا صححنا مسار الثورة

اليوم عائلات و جرحى الثورة يطرحون التصعيد معع قيس سعيد خاصة بعد أن توجهوا صبيحة الأحد 5 سبتمبر الى قصر الرئاسة و لم يتمكنوا من مقابلة أي مسؤول نظرا لكونه يوم عطلة

      فهل سيكون سعيد الرئيس الذي يصحح التاريخ ويكرم الشهداء و الجرحى بتمكينهم من حقوقهم المسلوبة مدة  عشر سنوات ؟

انتصار قصارة

Laisser un commentaire

RSS
Follow by Email
LinkedIn
Share
Instagram
Telegram
WhatsApp
FbMessenger
Tiktok